بسم الله الرحمن الرحيم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإيمان بضع وسبعون - أو بضع وستون - شعبة ، أعلاها : قول : لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان . متفق عليه .
عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . متفق عليه .
هذا الحديث من جملة النصوص الدالة على أن الإيمان اسم يشمل عقائد القلب وأعماله ، وأعمال الجوارح ، وأقوال اللسان ، فكل ما يقرب إلى الله ، وما يحبه ويرضاه ، من واجب ومستحب ، فإنه داخل في الإيمان ، وذكر هنا أعلاه وأدناه ، وما بين ذلك وهو الحياء . والحياء شعبة من الإيمان ولعل ذكر الحياء ; لأنه السبب الأقوى للقيام بجميع شعب الإيمان . فإن من استحيا من الله لتواتر نعمه ، وسوابغ كرمه ، وتجليه عليه بأسمائه الحسنى ، والعبد - مع هذا كثير التقصير مع هذا الرب الجليل الكبير يظلم نفسه ويجني عليها - أوجب له هذا الحياء التوقي من الجرائم ، والقيام بالواجبات والمستحبات .
فأعلى هذه الشعب شعب الإيمان وأصلها وأساسها ، قول : " لا إله إلا الله " صادقا من قلبه ، بحيث يعلم ويوقن أنه لا يستحق هذا الوصف العظيم ، وهو الألوهية إلا الله وحده ; فإنه هو ربه الذي يربيه ويربي جميع العالمين بفضله وإحسانه ، والكل فقير وهو الغني ، والكل عاجز وهو القوي ، ثم يقوم في كل أحواله بعبوديته لربه ، مخلصا له الدين ، فإن جميع شعب الإيمان فروع وثمرات لهذا الأصل .
ودل على أن شعب الإيمان بعضها يرجع إلى الإخلاص للمعبود الحق ، وبعضها يرجع إلى الإحسان إلى الخلق .
ونبه بإماطة الأذى على جميع أنواع الإحسان القولي والفعلي . الإحسان الذي فيه وصول المنافع ، والإحسان الذي فيه دفع المضار عن الخلق .
وإذا علمنا أن شعب الإيمان كلها ترجع إلى هذه الأمور ، علمنا أن كل خصلة من خصال الخير فهي من الشعب ، وقد تكلم العلماء على تعيينها .
فمنهم : من وصل إلى هذا المبلغ المقدر في الحديث .
ومنهم : من قارب ذلك ، ولكن إذا فهم المعنى تمكن الإنسان أن يعتد بكل خصلة وردت عن الشارع - قولية أو فعلية ، ظاهرة أو باطنة - من الشعب ، ونصيب العبد من الإيمان بقدر نصيبه من هذه الخصال ، قلة وكثرة ، وقوة وضعفا ، وتكميلا وضده ، وهي ترجع إلى تصديق خبر الله وخبر رسوله ، وامتثال أمرهما ، واجتناب نهيهما .
وقد وصف الله الإيمان بالشجرة الطيبة في أصلها وثمراتها التي أصلها ثابت ، وفروعها باسقة في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون . والله أعلم .